الخميس، 24 أكتوبر 2013
محاصصة وطنية
هل الوطن غنيمة ام مأوى و مأمن و عز و كرامة؟. الغنيمة مكسب تستأثر به شرعا او غصبا لتسعد به نفسك وقومك. بينما الوطن مثل العائلة و الاولاد و الاحفاد لا يمكن ان تستأثر بها أو تملكها، بل انك تضحى بسعادتك و بنفسك من اجلها.
تقفز فكرة المحاصصة في المناصب السياسية الى العلن عندما يختل النظام السياسي في أي بلد، و عندما تتصرف الفئة الحاكمة فيما يخدم مصلحتها الفورية و الضيقة، او دفاعا عن نفسها بعد تورطها بجرائم ستحاسب عليها في حال سيادة القانون. وغالبا ما تأتي فكرة المحاصصة حرصا على اقتسام الفريسة.
لقد ابتلينا في هذا البلد بازدهار هذه الفكرة لأسباب منها التغييب المتعمد لما يسمى بالمكون الفلسطيني في ادارة البلد حتى على مستوى جندي او شرطي. و اللافت ان ما يسمى بالمكون الفلسطيني هو الحاضر الغائب بالمقارنة مع كل المكونات الاخرى (السوري و الشركسي والارمني و الكردي والبدوي و..و ..). وبدلا من ان يؤدي ذلك الى تقوية الطبقة الحاكمة فانه ادى الى خلل و عدم استقرار النظام برمته. بل ان الامر اصبح مبدأ مقبولا وبتنا نسمع عن مطالبات لتمثيل بادية كذا او لواء كذا. حتى تطور الامر الى دعوات صريحة لتضخيم الجهاز الاداري و السياسي حتى يحظى كل بنصيب مجاني من بيع اراضي الوطن و موارده وعرق القلة المنتجة فيه.
المحاصصة كلمة حق يراد بها حق او باطل. و لكنها في كل الأحوال، علاج سام لداء عضال، كالمستجير من الرمضاء بالنار . فالأصل ان المناصب في كل السلطات هي لخدمة الشعب و الوطن و ليس العكس. و بالتالي فمن البديهي تعيين الاكفأ لذلك، و لو كان غير ذي قربى. اليس هذا ما يفعله ذلك كل ناجح عندما يعين من يدير مصالحه ؟؟
العلة اذن في النظام السياسي المقلوب. فالسؤال هو هل السلطة في خدمة الشعب و الوطن؟. ام ان الشعب في خدمة السلطة و الوطن اراض للبيع؟ تصور للحظة كم من الذين يتصدرون للعمل السياسي سيختفون لو كانت السلطة في خدمة الشعب!!!
ازدواجية مصطنعة
اتيحت لي الفرصة ان اعيش واعمل سنوات طويلة في فلسطين و الاردن و معظم الدول العربية. و قد عمقت التجربة هويتي القومية كما تعمقت هويتي الانسانية من خلال عملي في احدى منظمات الامم المتحدة لنصف حياتي المهنية.
الواقع يفرض علينا الاعتراف بهويات وطنية مستجدة في العالم العربي لدول مستقلة اغلبها وليدة سقوط الدولة العثمانية التي لم يمض عليها 100 سنة عصيبة بعد قرون من الهوية الاسلامية او العربية على اضيق الاحوال. و الطريف ان جميع هذه الدول تنص في رأس دساتيرها على انها عربية تستلهم شرائعها من الاسلام. و تدعو الدول العربية الاخرى بالشقيقات تمييزا لها عن باقي دول العالم.
من الطبيعي ان تجد بعض التفاخر او التنافر او التناحر او التنابذ او العصبية الجاهلية او العالمية ما بين الافراد و العشائر و القبائل و مشجعي الفرق الرياضية و الفنية و متبعي المذاهب و الاحزاب و الطرق و المشايخ وحتى الازياء و اللهجات و كل ما يلقى في النفوس من هوى. و لكن المستنكر هو تعميق واستغلال هذه الاهواء لإثارة الفتنة بين الناس او من قبيل فرق تسد.
هذه المقدمة ضرورية للدخول في الحديث عما نعيشه كل يوم من ازدواجية مصطنعة يعيشها الفلسطينيون اللاجئون و النازحون منهم خاصة في البلاد العربية. و لنبدأ بالأردن و هي الاقرب. فما فتأت الاردن و فلسطين إلا جزءا من بلاد الشام التي هي بدورها جزء من الدولة الاسلامية لأربعة عشر قرنا و آلاف السنين قبل ذلك في ممالك مختلفة. و لم يعرف التاريخ كله تقسيما رأسيا لهذه البلاد إلا بإرادة بريطانية في عام 1921 استكمالا لمؤامرة سايكس بيكو للسيطرة على الشرق. فكل التقسيمات الادارية كانت افقية تحاذي الصحراء شرقا و تنتهي بالشاطئ غربا و ليس ادل على ذلك من ان الاواصر الاجتماعية و الاقتصادية كامن بين العشائر و الحواضر الاردنية و الفلسطينية مثل نابلس و السلط او الكرك و الخليل او مادبا و القدس اقوى منها ما بين السلط و الكرك او نابس و الخليل.
ما اريد قوله ان الفلسطينيين قد تحركوا بشكل طبيعي اثر حروب 1948 و 1967 في نطاق فلسطين و الاردن و بلاد الشام عامة. و ان اهالي هذه المناطق لم يضعوا هذه الحدود. و ان التفريق بين الناس و ان كان له اسباب طبيعية كما يحدث بين الاشقاء الا ان اغلبه موضوع بشكل رسمي و صريح لمصلحة فئة قليلة في الظاهر و مصلحة اعداء الامة في الظاهر و الباطن.
ما الفرق بين القادم الى عمان من اربد او الكرك او يافا؟ الكل يتحرك في وطنه. الفرق هو ان القادم من يافا جاء بسبب الحرب. الحرب التي كان يدافع فيها عن وطنه و عن الشرق عامة ضد قوى الاستعمار و الصهيونية. أي انه المحارب الذي تقهقر الى قواعده الخلفية و اعاد التحصن فيها استكمالا للمعركة.
قد يقول قائل ان الاردن للأردنيين و فلسطين للفلسطينيين. و اقول أي اردن و أي فلسطين ؟. اليس واضحا ان شرق الاردن بالنسبة لليهود هو جزء من ارض اسرائيل؟. الم تبدأ اولى المستعمرات الصهيونية في الضفة الشرقية في الزرقاء و السلط و شاطئ البحرالميت الشرقي؟ اليس الاردن (او بالاحرى الضفة الشرقية من الاردن) في فم الغول الاسرائيلي؟ اليس الاردن بحاجة لكل كفاءة تقويه؟ هل التفرقة بين ابنائه و تغذية العصبيات تحميه؟. واذا سلمنا بوجود قطرين فألم يندمج السكان عبر عقود؟ ام هي الفروق الدينية و العرقية و اللغوية؟؟. اليس من مصلحة البلد وضع الشخص المناسب في المكان المناسب؟. اليس من مصلحة البلد تعزيز الديموقراطية و حقوق الانسانية ووضع الحكومة وكافة السلطات في خدمة الشعب و ليس العكس؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق