الخميس، 24 أكتوبر 2013

حقائق و اوهام ج2

حاولت في الجزء الاول من هذا المقال تصحيح المفهوم السائد عند اغلب الناس، بحسن نية، و ما يروج له بعض قادتنا و مثقفينا، بسوء نية، من عظم التأثير اليهودي على الدول العظمى و الذي أدى الى إنشاء اسرائيل و حمايتها ودعمها. ناهيك عن تعميق صورة اليهودي في اذهان العرب و المسلمين بأنه مندس في كل مكان و لا قبل لنا به لأنه كالسرطان يجول كما يشاء في احشاءنا. وقد بينت ان انشاء اسرائيل هي رغبة غربية قبل ان تكون يهودية وان الصهيونية الحديثة هي اساسا حركة مسيحية بدأت عمليا في المانيا وانشأت اول مستعمراتها في فلسطين فعليا في 1868. اي عقودا قبل تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية بزعامة هرتسل سنة 1897م، صحيح ان اليهود قد تعرضوا للاضطهاد على اساس ديني و عنصري في مختلف بلدان العالم المسيحي لقرون طويلة الا ان مشروع الوطن القومي و العودة الى ارض كنعان لم يتبلور الا من بعد ما انفرج فجر جديد في اوروبا بالثورة الفرنسية و سواد العلمانية و افول العنصرية و التأثير الديني الرسمي. اي من بعد زوال الاسباب. ان مشروع العودة الى ارض كنعان او الوطن القومي لليهود الذي تطور الى دولة اسرائيل ما كان ليكون ابدا لولا التحريض عليه من قبل الغرب اولا. و ذلك لأسباب دينية و امنية و عنصرية تخص الغرب اكثر مما تخص اليهود. و هي دائما نفس الاستراتيجية التي بدأها نابليون في حملته على فلسطين. التخلص من اليهود عنصريا و التعجيل بالتنبؤات بعودة المسيح و انشاء قاعدة عسكرية متقدمة تضمن السيطرة على الشرق و ان لا تقوم له قائمة مرة و الى الابد. اذن كيف نفهم و نقيم العلاقة ما بين اسرائيل و امريكا مثلا. هل هي شراكة؟ هل هي تبعية؟ ايهم يتبع الآخر؟ هل اللوبي الصهيوني اليهودي هو الاقوى في امريكا ام اللوبي الصهيوني المسيحي؟. هم يسمونها علنا و بدون مواربة تحالف استراتيجي. هي بالنسبة للدولة واقعيا علاقة مصالح مثل التعاقد مع شركة امنية و بالنسبة للوبي المسيحي الصهيوني القوي مسألة التزام ديني. اما بالنسبة للفلاسفة و المفكرين و الرأي العام فيشعرون بالقرب اكثر من اسرائيل كونها امتداد للثقافة الغربية و واحة الديمقراطية في وسط ظلامي. و في كل الاحوال لا يستقيم ابدا الادعاء بان اسرائيل تحكم امريكا او روسيا او اي دولة اخرى في العالم (غير بعض الدول العربية). الدول الكبرى في العالم دول مستقلة تحكمها مصالحها و تفرض نفسها و تؤثر في الآخرين بقوتها الاقتصادية و الثقافية( والعسكرية ان لزم). و لا تساوم. امريكا او روسيا او اي دولة في العالم ستتخلى عن اسرائيل و عن غيرها عندما يكون ضررها اكثر من نفعها. و ارجو ان لا يذكرني احد بالمبادئ فقد ذهبت المبادئ دوما ضحية المصالح. اذكر قول ارييل شارون اثر انتقاد رونالد ريجان للحملة الاسرائيلية على لبنان في 1982 و الحملة الاعلامية الامريكية التالية ضده شخصيا، ان اسرائيل قدمت لأمريكا في الشرق مقابل 100 مليار دولار (مجموع مساعداتها لإسرائيل حتى تاريخه) ما يساوي في قيمته 300 مليار دولار انفقتها امريكا على قواتها لنفس المهمة في اوروبا بعد الحرب العلمية الثانية. اسرائيل هي عدوان غربي على الشرق كله. و ما هي إلا قاعدة متقدمة له. و ان العلاقة بينهما علاقة تعاقدية. و العدوان على الشرق ليس معناه العدوان على دوله الحاضرة و انما هو العدوان على الفكرة و العقيدة و الحضارة و المستقبل. الهدف الاول و الاخير ان لا تقوم للشرق قائمة. هذا هو سر محاربتهم لأي دعوة وحدوية قومية او اسلامية او ثقافية او لغوية. و للأسف ليس اسرائيل وحدها فقد تم تنصيب بعض الانظمة العربية و التعاقد او التفاهم الضمني مع بعضها الآخر لضمان تحقيق نفس الهدف. ما معنى هذه النتيجة؟ 1-وجود اسرائيل بحد ذاته عدوان غربي على المنطقة مهما تغيرت الظروف و مهما تغيرت الحكومات لأنها وجدت لحماية مصالح متضاربة مع مصالح المنطقة بل للسيطرة عليها. 2- لا يمكن فصل اسرائيل عمن وراء اسرائيل ونرجو حلا ممن اوجدوها كمن نستجير من الرمضاء بالنار. 3- القضية ليست خاصة بالشعب الفلسطيني ابدا. بل بالشرق كله. انما كان القدر ان تكون في فلسطين. و لسوء حظ المعتدين نسوا ان فيها شعب من الجبارين. و قف هذا الشعب امام اعتى القوى و ضد كل الخيانات يقاوم المشروع الاسرائيلي دفاعا عن انفسهم و عن الشرق كله و ما زال. 4- كانت اولى المستوطنات اليهودية في شرق الاردن و ليس غربه. و لو تمكن اليهود من فلسطين لحققوا حلمهم الذي يؤمنون به بدولة اسرائيل من الفرات الى النيل. فحدود فلسطين ليست فقط مصطنعة بل ووقتية ايضا. 5- ان الله قد شرف وكرم اهل فلسطين و من وقف معهم في هذا الرباط و الجهاد. و الذي هو اصح انواع الجهاد و انقاها لأنه في سبيل الله و مرضاته و دفاعا عن الامة كلها. و رغم ما اصاب اهل فلسطين من اذى من اخوانهم الذين يدافعون عنهم فما وهنوا في دفاعهم عن الامة و لا استكانوا. و يساهمون في البناء حيث هاجروا باجر و بدون اجر. 6- ان هناك ممن مازال يلمز و يغمز بالفلسطينيين او يمن عليهم و هو لا يطال إقدامهم فليتوارى خجلا لو كان لديه ذرة من عقل او شرف او دين.

حقائق و اوهام ج1

نردد بيقين او من غير يقين ان اليهود اصحاب نفوذ هائل على الغرب و نستدل على ذلك من سياسة امريكا و الغرب عموما تجاه قضايانا و خاصة ما يتعلق بفلسطين. و لا زلنا نذكر التدليل على اعتراف الاتحاد السوفيتي بإسرائيل في اللحظات الاولي بسبب ان اعضاء القيادة فيه كانوا من اليهود او ان امهاتهم يهوديات. وان ماركس نفسه كان يهوديا وكذلك دزرائيلي رئيس وزراء بريطانيا. و قد امتدت الحالة مؤخرا لتشمل الزعماء العرب مثل القذافي و الاسرة السعودية و الشيخ محمد بن عبد الوهاب و عرفات و الشيخ حسن البنا وأخيرا السيسي. و على طول التاريخ الاسلامي نجد شخصيات يهودية متهمة بالفتنة و عظائم الشرور اولها ابن سبأ. و حتى في حياتنا الشخصية اذا اردنا ان ندلل على خبث شخص نقول انه يهودي. حتى اني سمعت اكثر من مرة ان سيدنا موسى لم يكن يهوديا و ذلك من قبيل تنزيهه. وفي آخر النهار نقر ان اليهود اهل كتاب (ضالين) و اننا نعادي فقط الصهاينة او من يعادينا مهما كان معتقده حتى لو كان من المسلمين. اعتقد اننا نخلط ما بين التراث و الواقع. و اننا نأخذ الامور بتبسيط شديد بحسن نية للأفراد و بخبث او تبرير او تواطؤ لأصحاب المصالح. و أتسائل لو كان اليهود اصحاب نفوذ و سيطرة بحيث يوجهون الدول الكبرى و خاصة روسيا و أمريكا فالا تكون هذه فرصة ذهبية لنا للضغط على اسرائيل و المساومة عى قليل من التنازلات او رفع بعض التهديدات مقابل ان تستعمل نفوذها على هذه القوى الكبرى و نحقق مصالحنا بل السيطرة على العالم. فلا شك ان الضغط على اسرائيل و مواجهتها اسهل بكثير من الضغط المباشر على امريكا مثلا. اذن ما المشكلة؟ و ما هي القراءة الصحيحة لإستراتيجية السياسة الامريكية كقائد للعالم الغربي و روسيا كجار لتركيا؟. لن نعود الى 1400 سنة من الصراع بين الشرق و الغرب انتهى بسقوط الدولة العثمانية 1923 ، و احتلال عاصمتها و اكثر من نصف تركيا ذاتها. و لك ان تلاحظ ان سقوط السلطان عبد الحميد الثاني في 1908 كان مرتبطا بإنشاء وطن لليهود على ارض فلسطين. وفي هذا العام تداعى الاوروبيون لدراسة مستقبل الشرق بعد سقوط الدولة العثمانية برعاية هنري كامبل بانرمان رئيس وزراء بريطانيا حينها في لندن. و قد اجمع خبرائهم على تفتيت المنطقة على اساس قومي او طائفي بهدف و احد و وحيد هو انهاء الخطر القادم من الشرق مرة واحدة و الى الابد. انظر: http://www.aljazeera.net/programs/pages/aa0a5b6d-51ed-4aa7-b140-1f3ce1188c8f (ملاحظة مازلت اذكر ما قاله كالاهان رئيس وزراء بريطانيا 1979 اثر الثورة الايرانية و هو يهرع فزعا لمقابلة كارتر في برمودا و كنت في لندن و قتها. قال علنا: انني كمسيحي لا استطيع ان اتجاهل الخطر القادم من الشرق). و هذا ما فعلوه في اليابان اثر الحرب الثانية في تغيير عقيدتها و تقزيمها و تدجينها الى الابد للقضاء على الخطر القادم عبر المحيط الهادئ. و هو ذاته ما فعلوه في اوروبا الشرقية و روسيا في تبني استراتيجية انهاء الخطر الشيوعي للابد. وحتى نفهم ذلك اكثر نعود الى وثائق حملة نابليون على فلسطين في 1799 التي تكشف انها جزء من خطة عنصرية امنية دينية لتوطين اليهود في فلسطين للتخلص منهم عنصريا، و لإيجاد قاعدة متقدمة للغرب في حمايته، و للتعجيل بالتنبوءات الدينية. و لا ننسى المقاومة الهائلة لحملة محمد علي باشا 1830 لضم بلاد الشام و خاصة فلسطين و سيناء لدولته في مصر لأنها ستكون دولة قوية تعوق المخطط الغربي. كذلك لا ننسى ارهاصات الصهيونية المسيحية العملية بمشروع المستعمرات الالمانية في فلسطين 1868-1918 و اشهرها مستعمرة سارونا قرب يافا بدوافع صهيونية مسيحية وقد كتبوا على كنائسهم شلت يميني ان نسيتك يا اورشاليم. و قد انتهت هذه المستعمرات بالاحتلال البريطاني لفلسطين و طرد الالمان كونهم حلفاء الاتراك. انظر: http://www.majma.org.jo/majma/index.php/2009-02-10-09-36-00/748-mag9-10-3.html اذن اسرائيل هي اختراع غربي و ليس العكس. و مازال الهدف من وجودها ان لا تقوم للشرق قائمة. فلما ترديد هذا الكم الهائل حول تأثير اسرائيل على الغرب و كأن الدول الغربية منقادة ضد مصالحها تحت تأثير اللوبيات اليهودية او الصهيونية؟ هذا ما سأحاول تفسيره في المقال القادم.

ازدواجية مصطنعة

اتيحت لي الفرصة ان اعيش واعمل سنوات طويلة في الاردن و فلسطين و معظم الدول العربية. و قد عمقت التجربة هويتي القومية كما تعمقت هويتي الانسانية من خلال عملي في احدى منظمات الامم المتحدة لنصف حياتي المهنية. من الطبيعي ان تجد بعض التفاخر او التنافر او التناحر او التنابذ او العصبية الجاهلية او العالمية ما بين الافراد و العشائر و القبائل و مشجعي الفرق الرياضية و الفنية و متبعي المذاهب و الاحزاب و الطرق و المشايخ وحتى الازياء و اللهجات و كل ما يلقى في النفوس من هوى. و لكن المستنكر هو تعميق واستغلال هذه الاهواء لإثارة الفتنة بين الناس او من قبيل فرق تسد ضد مصلحة الجماعة. ما الفرق بين القادم الى عمان من اربد او الكرك او يافا؟. الفرق هو ان القادم من يافا جاء بسبب الحرب. الحرب التي كان يدافع فيها عن بلده و عن الشرق عامة ضد قوى الاستعمار و الصهيونية. أي انه المحارب الذي تقهقر الى قواعده الخلفية الطبيعية. قد يقول قائل ان الاردن للأردنيين و فلسطين للفلسطينيين. و اقول أي اردن و أي فلسطين ؟. اليس واضحا ان شرق الاردن بالنسبة لليهود هو جزء من ارض اسرائيل؟. الم تبدأ الحركة الصهيونية بإنشاء اول المستعمرات الصهيونية في الضفة الشرقية في الزرقاء و السلط و شاطئ البحرالميت الشرقي؟ اليس الاردن (او بالاحرى الضفة الشرقية من الاردن) في فم الغول الاسرائيلي؟ اليس الاردن بحاجة لكل كفاءة تقويه؟ هل التفرقة بين ابنائه و تغذية العصبيات تحميه؟. واذا سلمنا بوجود قطرين فألم يندمج السكان عبر عقود؟ ام هي الفروق الدينية و العرقية و اللغوية؟؟. اليس من مصلحة البلد وضع الشخص المناسب في المكان المناسب؟. اليس من مصلحة البلد تعزيز الديموقراطية و حقوق الانسانية ووضع الحكومة وكافة السلطات في خدمة الشعب و ليس العكس؟ اليس من مصلحة البلد سيادة القانون؟ من صاحب المصلحة في تعطيل الطاقات و اذكاء العصبيات؟.

اسرائيل الى زوال (2/2)
 في المقال السابق تحت نفس العنوان تحدثت عن تأملات و خواطر في سورة الاسراء التي تبين حتمية علو اسرائيل و زوالها. اما في هذا المقال فسأحاول ان اثبت حتمية زوال اسرائيل بمعطيات واقعية و في وقت قريب نقرره نحن بمشيئة الله و عونه. وهدفي من هذا هو ان لا معنى لأي تنازلات و ان اكبر اذى نلحقه بأنفسنا هو الاعتراف بإسرائيل. العالم في تغير مستمر. بل ان التغير هو الثابت الوحيد في هذه الحياة.
لقد شهدنا سقوط الاتحاد السوفيتي الذي كان ثاني قوة في العالم بدون حرب. و شهدنا تحالف الاضداد فرنسا و المانيا و بريطانيا في الاتحاد الاوروبي. وشهدنا اختفاء يوغوسلافيا و صعود الصين و الهند و البرازيل. و سقوط طغاة عرب من حيث لا نحتسب. و شهدنا رئيسا اسودا في اكبر نظام عنصري عرفه العالم. و شهدنا تطورات تكنولوجية غيرت معايير الاتصالات والقوة والاقتصاد و قوانين الحرب. وكل هذا يعني ان العالم يتغير و بسرعة فائقة. ان الكيان الاسرائيلي ليس استثناء وهو يحمل اسباب فنائه في اسباب و جوده ذاتها. و ان كانت الاسباب او بعضها قوية في وقتها فان الظروف قد تغيرت كثيرا مذئذ.
اسرائيل وجدت بالنسبة لليهود لنكون و طنا آمنا لا تتكرر فيه المذابح او التمييز ضدهم. ووجدت اسرائيل بالنسبة للصهاينة المسيحيين للتخلص من اليهود و للتعجيل بظهور المسيح. و لكن كل الاسباب الدينية و الانسانية لم تكن لتحقق نتائج حقيقة لولا المصالح التي دفعت الكبار الى المساعدة في ايجاد هذا الكيان كي لا تقوم للشرق قائمة بعد قرون طويلة من الصراع انتهت بالنسبة لهم بسقوط الدولة العثمانية و زرع كيانات صغيرة ضعيفة يسهل السيطرة عليها مكانها. مهما كانت قوة اسرائيل المادية فإنها لا يمكن ان تعوض ضعف تكوينها و لا يعادل ذلك إلا تخاذلنا و تنازلنا.
ونقاط ضعف الكيان الاسرائيلي واضحة وضوح الشمس لمن اراد. و يبدأ الضعف كما لا يخفى على الاسرائيليين من موضوع الامن. اننا يمكننا و بمقاومة بسيطة جعل اسرائيل المكان الاقل امانا لليهود وبالتالي نفي اساس وجودها. اما نقطة الضعف الثانية فهي صغر مساحة فلسطين الكلية و صغر المساحة التي يقطنها 80% من الاسرائليين في مثلت حيفا-يافا-القدس الذي لا تتجاوز مساحته 2500 كيلومتر مربع و يشربون من حوض واحد معظمه تحت الضفة الغربية. وهذا يعني عدم القدرة على احتمال اي تراجع. اما النقطة الثالثة فهي التركيبة السكانية الضعيفة عدديا و نوعيا فهي تتكون من اكثر من 80 قومية متنوعة الحوافز و الانتماء و التدين. اما عدديا فان عدد الفلسطينيون في داخل فلسطين اليوم يماثل عدد اليهود و مرشح للزيادة باضطراد. وليس هذا فقط فان كل التجمعات السكانية لا تبعد عن حدودها شيئا. اما النقطة الرابعة فتكمن في البعد الاخلاقي الذي تقوم عليه الدولة و الذي ما فتأ يتآكل لدى اليهود انفسهم مع ادراكهم فشل المشروع الصهيوني لانتفاء اسبابه و صمود اصحاب الحق. الحقيقة الكبرى التي نتجاهلها بل نغطي عليها لغرض في نفس يعقوب هي ان اسرائيل لا يمكن ان تكون او تستمر لولا الدعم الخارجي لها مقابل الدور الذي تقوم به و هنا مربط الفرس.
 و من اسخف ما تسمعه هو النفوذ الاسرائيلي في الغرب و الرأي العام الغربي. لا اسرائيل و لا اي دولة تتحكم في السياسة الامريكية زعيمة العالم الحر (كما يقولون) او في سياسة اي من الدول الداعمة لها، بل يتحكم فيها فقط مبادئها و مصالحها. وان الرأي العام يهتم بمصلحة بلاده و رفاهيته قبل اي شيء. ان امريكا و العالم الغربي عامة يرى ان اسرائيل هو كنزه الاستراتيجي في المنطقة ما دامت تقوم بدورها بكفاءة. اما دورها فهو المساعدة في السيطرة على المنطقة بحيث لا يشكل الشرق تهديدا للغرب و يضمن الغرب طرق المواصلات و البترول و حماية الانظمة الموالية له. و الاهم الحيلولة دون وقوع المنطقة تحت سيطرة الخصوم او المنافسين. اي انها كبيرة العملاء في المنطقة وقد رأينا كيف تتخلى امريكا عن عملائها كما تتخلى عن احذيتها القديمة ابتداء من شاه ايران الى مبارك. لقد انتقلت مهمة حماية اسرائيل من بريطانيا الى امريكا مع انتقال القيادة واستمرار الاهمية. ولكن العالم يتغير و بسرعة فالتكنولوجيا غيرت بنية الاقتصاد و الامن و مفهوم الحرب في عقدين من الزمان اكثر مما تغير في مئة سنة قبلها. كما ان بدائل الطاقة اضحت قريبة وسيأتي اليوم الذي تفقد فيه امريكا مركزها القيادي الاقتصادي او تفقد اسرائيل جدواها فهل لمهمة حماية اسرائيل ان تنتقل بعد ذلك الى المانيا او روسيا او الصين او تركيا او ايران؟.

محاصصة وطنية

هل الوطن غنيمة ام مأوى و مأمن و عز و كرامة؟. الغنيمة مكسب تستأثر به شرعا او غصبا لتسعد به نفسك وقومك. بينما الوطن مثل العائلة و الاولاد و الاحفاد لا يمكن ان تستأثر بها أو تملكها، بل انك تضحى بسعادتك و بنفسك من اجلها. تقفز فكرة المحاصصة في المناصب السياسية الى العلن عندما يختل النظام السياسي في أي بلد، و عندما تتصرف الفئة الحاكمة فيما يخدم مصلحتها الفورية و الضيقة، او دفاعا عن نفسها بعد تورطها بجرائم ستحاسب عليها في حال سيادة القانون. وغالبا ما تأتي فكرة المحاصصة حرصا على اقتسام الفريسة. لقد ابتلينا في هذا البلد بازدهار هذه الفكرة لأسباب منها التغييب المتعمد لما يسمى بالمكون الفلسطيني في ادارة البلد حتى على مستوى جندي او شرطي. و اللافت ان ما يسمى بالمكون الفلسطيني هو الحاضر الغائب بالمقارنة مع كل المكونات الاخرى (السوري و الشركسي والارمني و الكردي والبدوي و..و ..). وبدلا من ان يؤدي ذلك الى تقوية الطبقة الحاكمة فانه ادى الى خلل و عدم استقرار النظام برمته. بل ان الامر اصبح مبدأ مقبولا وبتنا نسمع عن مطالبات لتمثيل بادية كذا او لواء كذا. حتى تطور الامر الى دعوات صريحة لتضخيم الجهاز الاداري و السياسي حتى يحظى كل بنصيب مجاني من بيع اراضي الوطن و موارده وعرق القلة المنتجة فيه. المحاصصة كلمة حق يراد بها حق او باطل. و لكنها في كل الأحوال، علاج سام لداء عضال، كالمستجير من الرمضاء بالنار . فالأصل ان المناصب في كل السلطات هي لخدمة الشعب و الوطن و ليس العكس. و بالتالي فمن البديهي تعيين الاكفأ لذلك، و لو كان غير ذي قربى. اليس هذا ما يفعله ذلك كل ناجح عندما يعين من يدير مصالحه ؟؟ العلة اذن في النظام السياسي المقلوب. فالسؤال هو هل السلطة في خدمة الشعب و الوطن؟. ام ان الشعب في خدمة السلطة و الوطن اراض للبيع؟ تصور للحظة كم من الذين يتصدرون للعمل السياسي سيختفون لو كانت السلطة في خدمة الشعب!!! ازدواجية مصطنعة اتيحت لي الفرصة ان اعيش واعمل سنوات طويلة في فلسطين و الاردن و معظم الدول العربية. و قد عمقت التجربة هويتي القومية كما تعمقت هويتي الانسانية من خلال عملي في احدى منظمات الامم المتحدة لنصف حياتي المهنية. الواقع يفرض علينا الاعتراف بهويات وطنية مستجدة في العالم العربي لدول مستقلة اغلبها وليدة سقوط الدولة العثمانية التي لم يمض عليها 100 سنة عصيبة بعد قرون من الهوية الاسلامية او العربية على اضيق الاحوال. و الطريف ان جميع هذه الدول تنص في رأس دساتيرها على انها عربية تستلهم شرائعها من الاسلام. و تدعو الدول العربية الاخرى بالشقيقات تمييزا لها عن باقي دول العالم. من الطبيعي ان تجد بعض التفاخر او التنافر او التناحر او التنابذ او العصبية الجاهلية او العالمية ما بين الافراد و العشائر و القبائل و مشجعي الفرق الرياضية و الفنية و متبعي المذاهب و الاحزاب و الطرق و المشايخ وحتى الازياء و اللهجات و كل ما يلقى في النفوس من هوى. و لكن المستنكر هو تعميق واستغلال هذه الاهواء لإثارة الفتنة بين الناس او من قبيل فرق تسد. هذه المقدمة ضرورية للدخول في الحديث عما نعيشه كل يوم من ازدواجية مصطنعة يعيشها الفلسطينيون اللاجئون و النازحون منهم خاصة في البلاد العربية. و لنبدأ بالأردن و هي الاقرب. فما فتأت الاردن و فلسطين إلا جزءا من بلاد الشام التي هي بدورها جزء من الدولة الاسلامية لأربعة عشر قرنا و آلاف السنين قبل ذلك في ممالك مختلفة. و لم يعرف التاريخ كله تقسيما رأسيا لهذه البلاد إلا بإرادة بريطانية في عام 1921 استكمالا لمؤامرة سايكس بيكو للسيطرة على الشرق. فكل التقسيمات الادارية كانت افقية تحاذي الصحراء شرقا و تنتهي بالشاطئ غربا و ليس ادل على ذلك من ان الاواصر الاجتماعية و الاقتصادية كامن بين العشائر و الحواضر الاردنية و الفلسطينية مثل نابلس و السلط او الكرك و الخليل او مادبا و القدس اقوى منها ما بين السلط و الكرك او نابس و الخليل. ما اريد قوله ان الفلسطينيين قد تحركوا بشكل طبيعي اثر حروب 1948 و 1967 في نطاق فلسطين و الاردن و بلاد الشام عامة. و ان اهالي هذه المناطق لم يضعوا هذه الحدود. و ان التفريق بين الناس و ان كان له اسباب طبيعية كما يحدث بين الاشقاء الا ان اغلبه موضوع بشكل رسمي و صريح لمصلحة فئة قليلة في الظاهر و مصلحة اعداء الامة في الظاهر و الباطن. ما الفرق بين القادم الى عمان من اربد او الكرك او يافا؟ الكل يتحرك في وطنه. الفرق هو ان القادم من يافا جاء بسبب الحرب. الحرب التي كان يدافع فيها عن وطنه و عن الشرق عامة ضد قوى الاستعمار و الصهيونية. أي انه المحارب الذي تقهقر الى قواعده الخلفية و اعاد التحصن فيها استكمالا للمعركة. قد يقول قائل ان الاردن للأردنيين و فلسطين للفلسطينيين. و اقول أي اردن و أي فلسطين ؟. اليس واضحا ان شرق الاردن بالنسبة لليهود هو جزء من ارض اسرائيل؟. الم تبدأ اولى المستعمرات الصهيونية في الضفة الشرقية في الزرقاء و السلط و شاطئ البحرالميت الشرقي؟ اليس الاردن (او بالاحرى الضفة الشرقية من الاردن) في فم الغول الاسرائيلي؟ اليس الاردن بحاجة لكل كفاءة تقويه؟ هل التفرقة بين ابنائه و تغذية العصبيات تحميه؟. واذا سلمنا بوجود قطرين فألم يندمج السكان عبر عقود؟ ام هي الفروق الدينية و العرقية و اللغوية؟؟. اليس من مصلحة البلد وضع الشخص المناسب في المكان المناسب؟. اليس من مصلحة البلد تعزيز الديموقراطية و حقوق الانسانية ووضع الحكومة وكافة السلطات في خدمة الشعب و ليس العكس؟

الوطن البديل

تتردد عبارة الوطن البديل صباحا و مساء وسلبا و ايجابا و نفيا و تأكيدا و لكنها تؤول دائما الى غرض آخر. لقد اصبحت هذه العبارة وسيلة او اداة او قناع تخفي. تسمعها من الفلسطينيين اننا لن نرض ابدا أي وطن بديل عن فلسطين و تسمعها من اشقاء الفلسطيني اننا ندعم حق الفلسطيني في العودة الى وطنه و لن نرضى ان نشارك في مؤامرة الوطن البديل. و يتفق الاثنان على ان الوطن البديل يعني التخلي عن فلسطين للصهاينة. هذا هو الظاهر و الصورة الزاهية اما الحقيقة فهي مصالح وقتية لفئة قليلة تتعارض مع مصلحة الامة و مبادئها. فما الفلسطيني الا عربي مسلم او مسيحي ينتمي الى هذا العالم العربي و الاسلامي المستهدف من كل المشروع الصهيوني. ام حسبتم ان المشروع الصهيوني في فلسطين يقتصر على انشاء وطن آمن لليهود؟. الم تتدرج هذه الفكرة من 1917 حتى صارت قرار تقسيم في 1947 ثم صارت اسرائيل ثم توسعت لتشمل فلسطين كلها في 1967 ثم اتسعت دبلوماسيا و اقتصاديا و امنيا منذ كامب ديفيد 1979 و الحبل على الجرار؟؟. الا يصرح الصهاينة بان حدود اسرائيل من الفرات الى النيل؟. الا تصرح امريكا ليل نهار بان علاقتها مع اسرائيل هي علاقة تحالف استراتيجي؟. الا يعني كل هذا ان القضية هي قضية العالم العربي و الشرق كله؟. لقد اسفرت السياسات التي تضيق على الفلسطيني معيشته في الوطن العربي بحجة الوطن البديل الى تهجيره الى المنافي البعيدة من استراليا الى امريكا الى اسكندنافيا فهل يخدم هذا التهجير فكرة منع الوطن البديل و التمسك بحق العودة؟ تسوق فكرة الوطن البديل في اوساط عامة الناس على انها من قبيل حفظ حقوق اصحاب البلد الاصليين في اولوية التمتع بالوظائف و الادارة و الموارد. و ينسى او يتناسى مسوقو الفكرة و المستفيدون الحقيقيون منها ان الفلسطيني المهاجر ليس عالة على احد بل هو انسان منتج باني اينما ذهب. و هو اضافة اقتصادية و اجتماعية و ثقافية. دلوني على أي شخص اغتنى في هذا البلد او تحسنت احواله بدون ان يكون للوجود الفلسطيني سبب في ذلك. و دلوني على أي شخص افتقر او تخلف بسبب الوجود الفلسطيني في هذا البد. المستفيد من حرمان الفلسطيني حقه الطبيعي في الحياة الكريمة مع ابناء قومه هو فئة قليلة من السياسيين الذين لا يستطيعون المنافسة الحرة في بيئة حرة ديموقراطية تحترم حقوق الانسان. ولا يكترثون في ذلك لو تخلفت البلد ما داموا في الصدارة. هل في هذا دعوة لان يتخلى الفلسطيني عن هويته و عن حقه في العودة؟ والجواب هو هل تهجير الفلسطيني الى المنافي البعيدة أفضل؟ هل انتم اكثر حرصا على الفلسطيني من نفسه؟ و هل نسيتم ان فلسطين ما هي إلا خط الدفاع الاول عنكم؟ فما زال الفلسطينيون يقاومون و يعطلون العدو عنكم منذ قرن و اكثر . فانتم المستهدفون و المعركة هي معركتكم في المقام الاول. افلا تعقلون!!!

الجمعة، 14 يونيو 2013

اسرائيل الى زوال (1) و (2)

اسرائيل الى زوال (1)
قرأت سورة الاسراء كثيرا و في كل مرة كنت اتأمل كيف ان الاسراء ذكر في الآية الاولى فقط مع التأكيد على "المسجد" الاقصى وما "حوله". ثم ينتقل الحديث الى بني اسرائيل. فاذا علمت ان القدس لم تكن اسلامية او يهودية و قتها فانك امام معجزة عجيبة.
القرآن الكريم هو معجزة الاسلام الحية تدركها بمجرد سماعه او قراءته ناهيك عن تدبره. ففي صياغته و نظمه وتصويره و نغماته ما لا تخطئه اذن. و قد كان القرآن دائما وسيلة الهداية بمجرد السماع. و يستطيع الكثير ممن لا يحفظون القرآن ان يدركوا اي خطأ في تلاوته حتى بدون ان يعرفون الكلمة الصحيحة او النطق الصحيح لها.
ومن اعجاز القرآن الاحساس كأنه نزل الساعة فيما يعالج من قضايا انسانية و اجتماعية. وتجد ان الله عز و جل يكرر القسم او التأكيد في مواقف كثيرة لما يعلمه من ضعف ادراك الناس خاصة عندما يكون الامر بعيدا عن الادراك. خذ مثلا قوله تعالى: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا". الآية 9 من سورة الاسراء. جاءت مباشرة بعد الايات التي تذكر بني اسرائيل: "ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا. إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا . عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا". اي ان علو يني اسرائيل مقضي عليه بالفناء مهما كانت عدد المرات التي يعود فيها. اليس هذا بعيدا عن ادراك الناس حتى في يومنا هذا؟؟
هذه واحدة. اما الثانية فتأمل قوله تعالى في الايات 105-108 قبل نهاية نفس السورة: "وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً. قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا. وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ". انها سلسلة تأكيدات على احقية ما في القرآن جاءت مباشرة بعد الآية العجيبة: " وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا". اقول عجيبة و من الصعب ادراكها في وقتها لان بني اسرائيل لم تكن بالقوة التي تذكر ولم يكن لهم حتى وجود في القدس و ما حولها. و ها هي تتحقق امام اعيننا بعد 14 قرنا من نزولها. الم اقل من البداية ان اسرائيل الى زوال. و سأثبت في مقال آخر و بالمعطيات العملية و المادية ان اسرائيل الى زوال. و ان وجودها عابر و ان اي تسويات او تنازلات هي تفريط في غير محله وان وجودنا في هذا الزمان و المكان تشريف للمرابطين و الصامدين و المجاهدين " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ" الآية 31 سورة محمد
-  اسرائيل الى زوال (2/2)
 في المقال السابق تحت نفس العنوان تحدثت عن تأملات و خواطر في سورة الاسراء التي تبين حتمية علو اسرائيل و زوالها. اما في هذا المقال فسأحاول ان اثبت حتمية زوال اسرائيل بمعطيات واقعية و في وقت قريب نقرره نحن بمشيئة الله و عونه. وهدفي من هذا هو ان لا معنى لأي تنازلات و ان اكبر اذى نلحقه بأنفسنا هو الاعتراف بإسرائيل. العالم في تغير مستمر. بل ان التغير هو الثابت الوحيد في هذه الحياة.
لقد شهدنا سقوط الاتحاد السوفيتي الذي كان ثاني قوة في العالم بدون حرب. و شهدنا تحالف الاضداد فرنسا و المانيا و بريطانيا في الاتحاد الاوروبي. وشهدنا اختفاء يوغوسلافيا و صعود الصين و الهند و البرازيل. و سقوط طغاة عرب من حيث لا نحتسب. و شهدنا رئيسا اسودا في اكبر نظام عنصري عرفه العالم. و شهدنا تطورات تكنولوجية غيرت معايير الاتصالات والقوة والاقتصاد و قوانين الحرب. وكل هذا يعني ان العالم يتغير و بسرعة فائقة. ان الكيان الاسرائيلي ليس استثناء وهو يحمل اسباب فنائه في اسباب و جوده ذاتها. و ان كانت الاسباب او بعضها قوية في وقتها فان الظروف قد تغيرت كثيرا مذئذ.
اسرائيل وجدت بالنسبة لليهود لنكون و طنا آمنا لا تتكرر فيه المذابح او التمييز ضدهم. ووجدت اسرائيل بالنسبة للصهاينة المسيحيين للتخلص من اليهود و للتعجيل بظهور المسيح. و لكن كل الاسباب الدينية و الانسانية لم تكن لتحقق نتائج حقيقة لولا المصالح التي دفعت الكبار الى المساعدة في ايجاد هذا الكيان كي لا تقوم للشرق قائمة بعد قرون طويلة من الصراع انتهت بالنسبة لهم بسقوط الدولة العثمانية و زرع كيانات صغيرة ضعيفة يسهل السيطرة عليها مكانها. مهما كانت قوة اسرائيل المادية فإنها لا يمكن ان تعوض ضعف تكوينها و لا يعادل ذلك إلا تخاذلنا و تنازلنا.
ونقاط ضعف الكيان الاسرائيلي واضحة وضوح الشمس لمن اراد. و يبدأ الضعف كما لا يخفى على الاسرائيليين من موضوع الامن. اننا يمكننا و بمقاومة بسيطة جعل اسرائيل المكان الاقل امانا لليهود وبالتالي نفي اساس وجودها. اما نقطة الضعف الثانية فهي صغر مساحة فلسطين الكلية و صغر المساحة التي يقطنها 80% من الاسرائليين في مثلت حيفا-يافا-القدس الذي لا تتجاوز مساحته 2500 كيلومتر مربع و يشربون من حوض واحد معظمه تحت الضفة الغربية. وهذا يعني عدم القدرة على احتمال اي تراجع. اما النقطة الثالثة فهي التركيبة السكانية الضعيفة عدديا و نوعيا فهي تتكون من اكثر من 80 قومية متنوعة الحوافز و الانتماء و التدين. اما عدديا فان عدد الفلسطينيون في داخل فلسطين اليوم يماثل عدد اليهود و مرشح للزيادة باضطراد. وليس هذا فقط فان كل التجمعات السكانية لا تبعد عن حدودها شيئا. اما النقطة الرابعة فتكمن في البعد الاخلاقي الذي تقوم عليه الدولة و الذي ما فتأ يتآكل لدى اليهود انفسهم مع ادراكهم فشل المشروع الصهيوني لانتفاء اسبابه و صمود اصحاب الحق. الحقيقة الكبرى التي نتجاهلها بل نغطي عليها لغرض في نفس يعقوب هي ان اسرائيل لا يمكن ان تكون او تستمر لولا الدعم الخارجي لها مقابل الدور الذي تقوم به و هنا مربط الفرس.
 و من اسخف ما تسمعه هو النفوذ الاسرائيلي في الغرب و الرأي العام الغربي. لا اسرائيل و لا اي دولة تتحكم في السياسة الامريكية زعيمة العالم الحر (كما يقولون) او في سياسة اي من الدول الداعمة لها، بل يتحكم فيها فقط مبادئها و مصالحها. وان الرأي العام يهتم بمصلحة بلاده و رفاهيته قبل اي شيء. ان امريكا و العالم الغربي عامة يرى ان اسرائيل هو كنزه الاستراتيجي في المنطقة ما دامت تقوم بدورها بكفاءة. اما دورها فهو المساعدة في السيطرة على المنطقة بحيث لا يشكل الشرق تهديدا للغرب و يضمن الغرب طرق المواصلات و البترول و حماية الانظمة الموالية له. و الاهم الحيلولة دون وقوع المنطقة تحت سيطرة الخصوم او المنافسين. اي انها كبيرة العملاء في المنطقة وقد رأينا كيف تتخلى امريكا عن عملائها كما تتخلى عن احذيتها القديمة ابتداء من شاه ايران الى مبارك. لقد انتقلت مهمة حماية اسرائيل من بريطانيا الى امريكا مع انتقال القيادة واستمرار الاهمية. ولكن العالم يتغير و بسرعة فالتكنولوجيا غيرت بنية الاقتصاد و الامن و مفهوم الحرب في عقدين من الزمان اكثر مما تغير في مئة سنة قبلها. كما ان بدائل الطاقة اضحت قريبة وسيأتي اليوم الذي تفقد فيه امريكا مركزها القيادي الاقتصادي او تفقد اسرائيل جدواها فهل لمهمة حماية اسرائيل ان تنتقل بعد ذلك الى المانيا او روسيا او الصين او تركيا او ايران؟.